تتكون الكتابة الإنشائية الفلسفية من ثلاث خطوات كبرى: مقدمة، عرض وخاتمة.
1- المقدمة:
تشتمل على:
أ- التمهيد:
ويجب أن يكون مناسبا لموضوع النص، ويتضمن تبريرات كافية لطرح الإشكال. وهو يعتمد عدة صيغ منها:
- الانطلاق من تعريف المفهوم الأساسي في النص.
- أو الانطلاق من التقابلات الموجودة في النص ( الحرية والإكراه، المطلق والنسبي، العقل والتجربة…الخ)
- أو الانطلاق من التأطير التاريخي لإشكالية النص؛ أي الإشارة إلى السياق التاريخي والثقافي الذي أثار اهتمام الفلاسفة بالإشكالية المطروحة في النص.
- أو الانطلاق من الواقع المعيش واليومي: حادثة، قصة، تجربة خاصة أو عامة…
- أو يمكن للتلميذ إبداع صيغ أخرى للتمهيد، المهم هو أن تكون مناسبة لموضوع النص وتقدم تبريرات كافية لصياغة أسئلة الطرح الإشكالي.
نؤكد هنا أنه يجب أن يكون هناك ربط قوي بين التمهيد والصياغة الإشكالية، وإلا لم يكن للتمهيد قيمة حقيقية. كما يجب أن يكون التمهيد مختصرا ولا يتضمن حديثا مفصلا عما هو موجود في النص أو يصرح بأطروحة النص؛ إذ أن محل ذلك هو لحظة التحليل وليس لحظة التمهيد.
ب-طرح الإشكال:
وهنا نصوغ التساؤلات التي تعبر عن الإشكال الذي يتضمنه النص من خلال صيغ استفهامية تنتهي بعلامات استفهام. وقد نطرح تساؤلين أو أكثر حسب طبيعة الإشكال الوارد في النص. كما يشترط في التساؤلات أن تكون مترابطة وبينها وحدة عضوية.
ويتم صياغة الإشكال انطلاقا من أطروحة النص والأفكار الأساسية المرتبطة بها في النص؛ إذ يتم طرح الأسئلة التي يفترض أن تلك الأطروحة إجابة عنها.
فإذا افترضنا مثلا أن أطروحة النص تقول بأن الشخص حر في بناء نفسه، فسيكون علينا التساؤل: هل الشخص حر في بناء نفسه أم أنه خاضع لإكراهات؟ وهل القول بأن الشخص حر في بناء نفسه يلغي خضوعه لأية إكراهات؟ وما هي هذه الأكراهات؟
أو يمكن اعتماد صيغ تعبيرية أخرى، المهم هو التعبير بدقة عن الإشكال الموجود في النص.
وينبغي أن نشير هنا أنه لا يجب على التلميذ طرح كل إشكالات الدرس؛ أي أنه لا يجب إسقاط إشكالات من الخارج على النص، بل يجب طرح فقط التساؤلات التي تعبر بدقة عن الإشكال المتضمن فيه.
2- العرض:
ويتضمن فقرتين أساسيتين: التحليل والمناقشة.
أ- التحليل:
ويتعلق الأمر هنا بتحليل النص والاشتغال عليه من خلال الجوانب التالية:
- تحديد أطروحة النص من خلال التعبير عن الجواب الذي يقدمه صاحب النص عن الإشكال المطروح في المقدمة.
- الاشتغال على فقرات النص وأفكاره الجزئية وتقديم التفاصيل المتعلقة بها. ويجب أن لا نهمل هنا أية عبارة في النص من أوله إلى آخره. كما يجب الانتباه إلى العلاقات الموجودة بين فقراته.
- الاشتغال على البنية المفاهيمية للنص من خلال تحديد دلالات المفاهيم الرئيسية الواردة فيه خصوصا تلك التي لها علاقة قوية بالأطروحة. كما يجب تحديد العلاقات التي يقيمها النص بين مختلف تلك المفاهيم.
- الاشتغال على البنية الحجاجية للنص عن طريق استخراج الأساليب الحجاجية المستعملة في النص ( مثال، مقارنة، تشبيه، استفسار، دحض، استشهاد …)، والعمل على التعبير عن مضامينها ووظيفتها في النص؛ أي ربطها بالأفكار التي تسعى إلى إثباتها أو نفيها.
- لا بد من أن يعمل التلميذ في لحظة التحليل هاته على توظيف بعض مكتسباته المعرفية وتقديم بعض الأمثلة من تجاربه في الحياة، من أجل إغناء النص وتوضيح بعض الأفكار التي اكتفى النص بمجرد الإشارة أو التلميح لها.
وينبغي الإشارة هنا أنه لا تخضع هذه الخطوات، أثناء التحليل، لترتيب جاهز وقار، كما أنها لا تقدم منفصلة عن بعضها البعض، بل هي متداخلة ويمكن التعبير عنها فدعة واحدة. فمثلا يمكن تقديم أفكار النص من خلال عرض مفاهيمه أو أساليبه الحجاجية، فنقول مثلا:
لقد اعتمد صاحب النص على أسلوب المقارنة بين الإنسان والحيوان لكي يؤكد على فكرة رئيسية، وهي أن الإنسان يتمتع بالكرامة ويعتبر غاية في ذاته في حين يعتبر الحيوان مجرد وسيلة …
فنحن نلاحظ أننا جمعنا هنا بين التعبير عن أسلوب حجاجي وارد في النص وتقديم الفكرة التي استخدم هذا الأسلوب الحجاجي للدفاع عنها.
ويمكن قول نفس الشيء بالنسبة لعلاقة المفاهيم بالأفكار الواردة في النص؛ إذ يمكن تقديمهما دفعة واحدة. ويمكن تقديم المثال التالي:
يعرف النص الدولة باعتبارها تجمعا سياسيا… ويربط بينها وبين مفهوم العنف الذي هو استخدام القوة بشكل قانوني ومن أجل تحقيق المصلحة العامة للأفراد. والغرض من هذا الربط بين المفهومين هو التأكيد على فكرة حق الدولة في احتكار العنف المشروع.
والأمثلة في هذا الباب كثيرة لا حصر لها…
وحينما ننتهي من تحليل النص ونستخرج أطروحته الرئيسية، يتعين علينا التساؤل حول هذه الأطروحة عن طريق إبراز حدودها وفتح المجال لإمكانية نقدها.
وهذا ما سيجعلنا ننتقل إلى المناقشة عن طريق نوع من الربط المتدرج والمتسلسل.
ب-المناقشة:
ونميز هنا بين نوعين من المناقشة: داخيلة وخارجية.
· المناقشة الداخلية: وفيه يتعين على التلميذ إبراز موقفه من مدى قوة أو ضعف، تماسك أو عدم تماسك أفكار النص وحججه. فيتم الإشارة إلى الجوانب التي أغفلها النص أو الثغرات التي قد تكون موجودة في الأفكار المتضمنة فيه.
· المناقشة الخارجية: وفيها نستدعي مواقف فلسفية تقدم أطروحات بصدد نفس الإشكال الذي عالجه النص، وقد تكون هذه الأطروحات مؤيدة للنص أو معارضة له.
ويجب الإشارة هنا أنه يجب أن لا نستدعي من أفكار الفلاسفة إلا ما يخدم مناقشتنا لما هو موجود في النص؛ إذ لا يجب تقديم المواقف الفلسفية كما هي واردة في الملخص حرفيا بل يجب محورتها وتكييفها مع ما هو وارد في النص.
هكذا إذن يجب إدخال المواقف الفلسفية في حوار مباشر مع النص من جهة، كما يجب خلق حوار حقيقي وفعلي بينها من جهة أخرى.
3- الخاتمة:
وهي تتضمن خلاصة تركيبية وسؤالا مفتوحا.
أ- الخلاصة:
هي تعبير عن النتائج التي انتهينا إليها من خلال التحليل والمناقشة. ويمكن فيها التوفيق بين المواقف المختلفة إذا كان بينها تكامل، أو الجمع بينها ضمن موقف تركيبي يتجاوزها جميعا، أو ترجيح كفة موقف ما إذا بدا أكثر إقناعا للتلميذ. وهذا يرتبط بالموقف الذي تبناه التلميذ منذ لحظة المناقشة الداخلية.
ويمكن استخدام الصيغ التالية للتعبير عن الخاتمة:
· هكذا يتبين أن إشكالية … تتأرجح بين … وبين … بحيث تبدو من جهة … ومن جهة أخرى …
· هكذا يبدو أن إشكالية … متعددة الأبعاد، بحيث يمكن تحديدها من عدة زوايا وأبعاد ولا يمكن اختزالها في بعد واحد منها.
· إذا كان الموقف … يرى بأن … فإن التحليل العميق يؤكد بأن …
كما يمكن اعتماد صيغ أخرى، المهم هو أن تعكس الخلاصة بصدق النتائج المنطقية التي سبق أن تم تبريرها وتوضيحها في التحليل والمناقشة.
هكذا يجب تجنب الخلاصات الجاهزة وكذلك المقدمات الجاهزة، لأن هذا لا يتناسب مع طبيعة التفكير الفلسفي كفكر إبداعي؛ فالمقدمة يشترط فيها أن تكون متناسبة مع طبيعة الموضوع الاختباري الذي لا يمكن توقعه مسبقا، في حين يشترط أيضا في الخلاصة أن تكون مرتبطة بما يتم تقديمه في التحليل والمناقشة، وهذا مما لا يمكن توقعه بشكل مسبق أيضا.
ب- السؤال المفتوح:
وهو عبارة عن تساؤل أو تساؤلات نطرحها دون أن نجيب عنها، ووظيفتها هو نقد الخلاصة المرتبطة بالموضوع وتبيان حدودها أو فتحها على آفاق أخرى أرحب، أو إثارة بعض الإشكالات المرتبطة بالإشكال الذي تمت معالجته في الموضوع.
من موقع الأستاذ محمد الشبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق